ثلاث مرات بكى يسوع

0
أريد أن أكلمكم اليوم عن موضوع "دموع الله". قد تكون هذه الكلمة ثقيلة على الأذن: هل الله يبكي؟! هل الله له دموع؟! كل ما ذُكرَ عن دموع السيد المسيح له المجد، ذُكر في هذا الأسبوع بالذات. السيد المسيح له المجد  بكى ثلاثة مرات في هذا  الأسبوع:

متى بكى الرب يسوع؟

1-  دموع السيد المسيح يوم جمعة ختام الصوم
يوم جمعة خِتام الصوم ذُكرَ أنه بكى على أورشليم وقال مقولته التي سمعناها عدة مرات في هذا الأسبوع: "يَا أُورُشَلِيمُ، يَاأُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا" (مت 23: 37، 38)، (إنجيل لوقا 13: 34، 35).

2-  دموع السيد المسيح يوم سبت لعازر
يوم سبت لعازر سمعنا نص إقامة لعازر، ووجدنا في حكاية إقامة لعازر دموع أخرى! فعندما ذهبوا إلى القبر (مريم ومرثاومعهما الرب يسوع)، بالطبع مريم ومرثا  انفجرتا في البكاء، فبكى يسوع! لدرجة أن بعض الناس الذين تأثروا بهذا المنظر  قالوا: "انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ" (يو 11: 36)، والبعض الآخر قال: "أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هذَا أَيْضًا لاَ يَمُوتُ؟" (يو 11: 37).

St-Takla.org Image: Jesus Christ praying at the Gethsemane garden, and we can see an angel that came to console Him, and the cup - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع في بستان جثسيماني وهو يصلي، ونرى ملاك واقف يعزيه، والكأس - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر
St-Takla.org Image: Jesus Christ praying at the Gethsemane garden, and we can see an angel that came to console Him, and the cup - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt
صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع في بستان جثسيماني وهو يصلي، ونرى ملاك واقف يعزيه، والكأس - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر
3-   دموع السيد المسيح يوم خميس العهد
ثم يأتي علينا يوم خميس العهد، وتكون الدموع كالسيل، وإن كانت هذه الدموع لم تذكرها الأناجيل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.فجميعكم تعلمون أن ما ذُكِرَ في الأناجيل عن يوم خميس العهد هو أن الرب يسوع في صلاته كان عرقه ينزل كقطرات الدم: "وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ" (لو 22: 44). ولكن الذي أشار لدموعالسيد المسيح أو بكاءه هو القديس بولس حيث قال: "الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ،" (عب 5: 7). فبولس الرسول هو الذي أزاد على ما جاء بالأناجيل فكرة أن المسيح في هذه الليلة لم يكن فقط عرقه كالدم، ولكنه أيضاً كان يبكي!!
St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هل بكى الرب يسوع يوم الجمعة العظيمة وهو على الصليب؟!

الغريب أنه في يوم الجمعة الكبيرة وهو على الصليب، لم نسمع أي إشارة عن دموع أو بكاء!
فدعونا نتأمل متى يبكي الله؟ ولماذا يبكي؟ وكيف نبكي معه؟ هذه القصة ستفرق معنا إذا عشنا فيها.

لعازر حبيبنا قد نام (يو11: 11)

0


في حديث السيد المسيح مع تلاميذه عن إقامة لعازر.. تكلّم بأسلوب غاية في البساطة والاتضاع. إذ قال"لعازر حبيبنا قد نام. لكنى أذهب لأوقظه. فقال تلاميذه:  يا سيد إن كان قد نام فهو يُشفى. وكان يسوع يقول عن موته. وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم. فقال لهم يسوع حينئذٍ علانية لعازر مات" (يو11: 11-144).
تكلّم السيد المسيح عن إقامته للعازر من الموت بلغة بسيطة متواضعة، كأنه سوف يقيم من النوم شخصًا قد رقد. ولم يذكر للتلاميذ أن لعازر قد مات.. لم يحاول أن يتكلم بأسلوب الافتخار بعظيم الأعمال.. فالأعمال العظيمة تتكلم عن نفسها، ولا تحتاج إلى تفخيم وتعظيم.
ومن جهة أخرى، فإن السيد المسيح كان يريد أن يؤكد أن الأبرار لن يموتوا، ولكنهم سوف يرقدون، طالما أن المخلّص مانح الحياة سوف يعيدهم إلى الحياة مرة أخرى، بعد نوالهم الفداء بدمه الثمين. لهذا قال: "أنا هو القيامة والحياة" (يو11: 25).
والكنيسة تبرز هذا المعنى في أوشية الراقدين، وتقول في صلواتها للرب (لأنه لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال).

        ==================================================================

أفرح لأجلكم

 وحينما أعلن السيد المسيح موت لعازر باللغة التي يفهمها التلاميذ، قال لهم: "أنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك، لتؤمنوا، ولكن لنذهب إليه" (يو11: 155).
كان السيد المسيح منشغلًا بإيمان التلاميذ.. لم يفكر فيما يخصه، بل فيما يخص غيره. لأن المحبة "لا تطلب ما لنفسها" (1كو13: 5).
St-Takla.org Image: Miracle of Jesus raising Lazarus from the dead, and we can see in the image His sisters Mary and Martha - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt صورة في موقع الأنبا تكلا: معجزة السيد المسيح يقيم ابنة لعازر من بين الأموات، ونرى في الصورة أخوته مريم و مرثا - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر
St-Takla.org Image: Miracle of Jesus raising Lazarus from the dead, and we can see in the image His sisters Mary and Martha - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt
صورة في موقع الأنبا تكلا: معجزة السيد المسيح يقيم ابنة لعازر من بين الأموات، ونرى في الصورة أخوته مريم و مرثا - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر
لم يصنع السيد المسيح معجزة إقامةلعازر من الموت ليرضى نفسه، بل من أجل خير التلاميذ والبشرية.. ليقود البشر إلى الإيمان بالقيامة والحياة، التي جاء ليهبها للمؤمنين بموته وقيامته وفدائه للبشرية.

        ======================================

خرج من عند الآب

 أمام القبر، وقف ذاك الذي أخلى ذاته من أجل خلاصنا، ليصلّى إلى الآب، في ضراعة وخشوع، وثقة واتضاع: "أيها الآب أشكرك لأنك سمعت لي. وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتني" (يو11: 41، 42).
أراد السيد المسيح أن يصلى قبل إتمام المعجزة، بصوت مسموع، ليبرز علاقته الجوهرية بالآب كمولود منه، وكيف أن الآب قد أرسله لخلاص العالم. وليؤكد أن ما سيفعله هو عطية من الآب.
لهذا قال السيد المسيح بحق في صلاته قبل الصلب"أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته.. أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم.. والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك.. وهم قَبِلوا وعَلِموا يقينًا أنى خرجت من عندك. وآمنوا أنك أنت أرسلتني" (يو17: 4-8).
إن كل عطايا الآب هي عطايا الابن أيضًا، وكل عطايا الابن هي عطايا الآب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. كما قال السيد المسيح مخاطبًا الآب: "كل ما هو لي فهو لك وما هو لك فهو لي" (يو17: 100).

         ==================================================================

"بكى يسوع" (يو 11: 35)

 السيد المسيح في تواضعه بكى عند قبر لعازر، حتى قال اليهود: "انظروا كيف كان يحبه. وقال بعض منهم: ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضًا لا يموت" (يو11: 36، 37).
لم يكتم السيد المسيح عواطفه البشرية، لأنه شابهنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها. وقد بكى ليس فقط لتأثر عاطفته البشرية ببكاء مريم أخت لعازر والذين معها، ولكن إشفاقًا على حياة الإنسان الذي سقط صريعًا أمام الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس.
ظهرت محبة الله للإنسان في بكاء السيد المسيح على موت لعازر، ورغبة الله الصادقة في إعادة الحياة للبشر مرة أخرى. وما فعله السيد المسيح هو الترجمة المنظورة لمشاعر الرب الخفية من نحونا.
احتمل السيد المسيح في اتضاع عجيب تهكم بعض من اليهود عليه بقولهم: "ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضًا لا يموت" (يو11: 37). وكان السيد المسيح قد تباطأ خصيصًا في الحضور إلى بيت عنيا حيث كان لعازرالمريض، لتظهر محبة الله للإنسان ورغبته في إقامته من الموت.
لم يكن السيد المسيح يهتم برأي الناس وأقاويلهم، بل كان يهتم بتنفيذ مشيئة الآب السماوي.. ومن خلال الاتضاع حقق أعظم الأمجاد. فهكذا دائمًا "من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع" (مت23: 12). هكذا علّم السيد المسيح وهكذا فعل.
لقد شاركنا السيد المسيح أحزاننا وآلامنا، وبكى معنا ومن أجلنا وعلى حالنا، كما هو مكتوب عنه: "محتقر ومخذول من الناس. رجل أوجاع ومختبر الحزن.. لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها" (إش53: 3، 4).
هنا نحس اقتراب الله الشديد من نحو الإنسان، ليس وهو يشاركه آلامه فقط (من خلال التجسد)، بل وهو يحمل عنه هذه الآلام.. لأنه هكذا يليق بالقلب الكبير أن يحمل أحزان الغير وآلامهم "لأنه لاقَ بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل وهو آتٍ بأبناءٍ كثيرين إلى المجد، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام" (عب2: 100).